من مصر إلى مكة: قصة الحج التي بدأت من قلب وادي النيل

كتبت /إيمان شريف 

في عمق صحراء العرب، تتجلى شعائر الحج كقصة خالدة بدأت من أرض مصر، حين دخل إبراهيم عليه السلام أرض مصر قادمًا من العراق، فاستقبله حاكم مصر بتكريم وهدايا، كان أبرزها هاجر المصرية التي صارت زوجة نبي الله وأمًّا لإسماعيل. من هنا، نسجت مصر أول خيوط قصة الحج، فأهدت للعالم امرأةً صالحة ستصبح جزءًا من ملحمة الإيمان.

خرج إبراهيم عليه السلام من مصر محمّلاً بهدايا ثمينة من الملك، شملت الخيول والذهب والملابس القطنية، وفق ما أورده المؤرخون، ليصل إلى مكة مع هاجر وابنه الرضيع إسماعيل. في أرض مكة الجرداء، ترك إبراهيم زوجته وابنه طاعةً لأمر الله، فدعت هاجر ربها بيقين صادق: "إذن لا يضيعنا الله". وهكذا، خطت أول خطوات السعي بين الصفا والمروة بحثًا عن الماء، لتتفجر زمزم تحت أقدام طفلها، وتظل هذه القصة رمزًا للإيمان والصبر عبر العصور.

مع ظهور ماء زمزم، استوطنت قبيلة جرهم جوار البئر بإذن من هاجر، فشبّ إسماعيل بينهم وتعلم العربية والفروسية، ليصبح أبًا للعرب العدنانيين. وبعد أعوام، عاد إبراهيم ونفذ أمر الله بفداء ابنه، ليُخلد مشهد الطاعة بالأضحية، التي باتت من أهم شعائر الحج.

بنى إبراهيم الكعبة بمعاونة ابنه، فارتفعت أركان البيت الحرام، وظلّ "مقام إبراهيم" شاهدًا على هذه اللحظة المباركة. في حجر إسماعيل، الذي يُعتقد أنه مدفن هاجر وابنها، يجد الحجيج ملاذًا للدعاء والسكينة. وهكذا، جسدت مناسك الحج قصة أسرة مؤمنة، اجتمعت فيها هاجر المصرية، وإبراهيم الخليل، وإسماعيل، ليتحول سعيهم وطوافهم وفداؤهم إلى شعائر خالدة.

لم تتوقف مساهمات مصر عند بداية القصة، بل امتدت عبر التاريخ لتشمل رعاية الحجاج، وإرسال كسوة الكعبة المشرفة كل عام، ودعم قوافل الحج في مختلف العصور. حتى الخيول العربية، التي وثقها الفراعنة في نقوشهم، خرجت من مصر مع إبراهيم، لتصبح رمزًا للفروسية الأصيلة في جزيرة العرب.

الحج ليس مجرد طقوس، بل هو حكاية إيمانية بدأت من نهر النيل، وامتدت إلى جبال مكة. مصر، التي حملت إبراهيم وأهدت العالم هاجر، ما زالت تفخر بأنها صاحبة أول شعيرة للحج، وأصل قصة التوحيد.
google-playkhamsatmostaqltradent