recent
أخبار ساخنة

بيت العيلة


بقلم :- منى علاء الدين 




في بيت ريفي صغير مكون من طابقين يقف في وسط مساحة شاسعة من الخضرة وحيدا، ولكن ذلك البيت الصغير يضم أكثر من أسرة ،وهذا ليس غريبا علي البيوت الريفية فهي غالبا ماتضم أكثر من أسرة لا يفصلها حواجز أو جدران ، فالرجال يعملون معظم الوقت في الحقل والنساء تجتمع كخلية النحل للعمل في المنزل ، رغم قلة المال من العمل في الزراعة وكثرة العمل ولكن ذلك حال جميع الفلاحين وحياتهم تسير علي ذلك النمط والروتين ، إجتمع في ذلك المنزل ريفي صغير عاءلتين ، يجمع بينهم الكثير من الخلافات يحاول لم شمل العيلة جذورها الحاج سيد الذي يحمل علي عاتقه رغم كبر سنه هم لم شمل الأسرة حتي لايتفرق أبناءه الثلاث ورغم محاولته وزوجته الحاجة نجية ولكن لا تطلع شمس يوما إلا تحمل معها الكثير من خلافات الصغيرة بين أسرة الحاج سيد ورغم صغر مشاكل اليومية الروتينية ولكنها تحمل داخلها مشكلات أكبر مما تظهر عليه من خلافات علي من يعمل أكثر في منزل أو حقل ، ولكن خلاف كان نابع من غيرة بين الأخوة ولكن لم تظهر الأسباب الحقيقة علي ارض الواقع خوفا من سطوة الأب وتحكمه ،فكان الجميع يحاول إخفاء مشاعره ويظهر عكسها مجاملة لكبير العيلة ،


جلس الحاج سيد علي أرضية منزل مغطاة بالكليم بجانب زوجته للتحدث كعادتهم اليومية للتحدث عن أمور الأسرة وقت أحتساء قدح من الشاي بعد تناول الغذاء الذي تعده زوجات أولادهم ،حملت ملامح الحاج سيد الذي يبلغ من العمر السبعون عاما بجانبه زوجته المسنة ترتظي خمارا أبيض اللون تملأ التجاعيد وجهها ،ترتدي جلبابا فضفاض يسمع لها بالجلوس متربعة في جلسة مريحة يقابلها الحاج سيد يرتدي جلبابه ويجلس مثلها تماما .
قال حاج سيد مهموما: لاتعجبني أحوال هذا المنزل 
قالت الحاجة صفية : أنا أيضا 
أكمل الحاج سيد حديثه وهو يتنفس الصعداء وينظر أمامه إلي حقول التي تحيط المنزل  :أري في أعين أولاد تمردهم ولكن يخشون من غضبي عليهم 
أعتدلت الحاجة صفية في جلستها :ليس أولادك فقط بل زوجاتهم أيضا يعترضون علي نظام منزل وتريد كلا منهم أن تستقل بحياتها بعيدا عنا .
-ما رأيك في مايحدث؟
قالت الحاجة صفية مهمومة :أعاننا الله علي جمع شمل العيلة .
في طابق الأعلي كانت سارة زوجة أحمد وهي تتحرك بعصبية حول أثاث الغرفة تستند إلي كرسي الذي يستقر مكانه أمام مرآة كبيرة بالغرفة تنظر إلي نفسها وتفكر. كانت سارة ممتلءة الجسد حادة الطبع وكذلك حادة الملامح نادرا ماتراها تبتسم ،ولكنها لم تكن تنظر ملامحها الغاضبة في المرآة إنما كانت شاردة الذهن تفكر في حال المنزل الذي تحمل كل مسؤلياته علي عاتقها وحدها.فقد كانت سماح زوجة عبده تتركها تقوم كل أعمال المنزلبالغرفة،فكثيرا ماكانت تدعي المرض أو تتجاهل أوامر الحاجة صفية مما كان يثير حنق سارة ويجعلها كتلة من النار أنفجرت في وجه زوجها أحمد مطالبا بالأستقلال بحياتها والسفر للقاهرة

قال أحمد في غضب :تعلمين رأي والدي فيما يخص الأستقلال .
-لا يهمني رأي والدك لقد كفح الكيل .
-حاول أحمد تهدأ الوضع :سأفكر في الأمر 
أستمر غضب سارة :هل تحاول تهدأ الوضع كالعادة .
قال أحمد في هدوء مابعد العاصفة :سنتكلم لاحقا .
ترك سارة الغرفة واخذت تنتقل من غرفة إلي أخري دون هدف في محاولة نسيان نقاشها مع زوجها. 
بينما كان في الشقة المقابلة يشكي عبده زوجته من أعباء الحقل ورغبته في تفرغ عمله أساسي في التجارة حيث يرهقه العمل صباحا في حقل ومساءا في محل الأدوات منزلية الذي يملكه ،لم ينتهي شكوي عبده اليزمية من الملل والضيق من الريف وأهله ورغبته في توسع في عمله وألأنتقال من تلك القرية التي تعتبر غرفة وصالة علي حد تعبيره لا يترك الناس فيها صغيرة ولا كبيرة حتي يتدخلوا بها ولا يوجد بها مايدعوه تمسك بها ويستنكر عبده تمسك والده قطعة صغيرة من الأرض مبتجبش همها علي حد قوله .

جلس الحاج سيد منفردا يفكر في أن يترك أبناؤه يشقون طريقهم في الحياة بمفردهم حتي لايري في أعينهم قلة الحيلة والتمرد ،ثم جمع الحاج سيد غي وقت العصاري أبناؤه جلس كلا منهم إلي جانب زوجته ينظرون إلي بعضهم البعض في ترقب في جلسة صامتة تظهر علي وجوه الجميع القلق وفي داخلهم ألف سؤال عن سبب هذا التجمع ،ترأس المجلس الحاج سيد متربعة علي أريكته المفضلة في المنزل بجواره الحاجة صفية امامه طاولة بها كوبين من الشاي ، قال الحاج سيدفي حسم : لن أطيل عليكم سأترك لكم حرية أختيار حياتكم من يريد أنفصال عن هذا المنزل أو العمل لن أمنعه ،صعق كل من في هذه الجلسة ، نظروا إلي بعضهم البعض في ذهول كيف يغير الحاج سيد رأيه بين ليلي وضحاها ،فمن يعرف الحاج سيد يعرف تمسكه بالعادات القديمة وحب الأرض وتجمع العيلة ويفعل مستحيل لم شمل أولاده في منزل واحد ،كيف يغير رأيه تلك السهولة ،ولكن الحاج سيد ادرك أنه كلما شد أبناؤه غصبا بجتمعوا كاما تفرقوا أكثر فأكثر ولكن عندما يتركهم يتفرقوا سيدركوا قيمة ما كان يعلمهم إياه الحاج سيد من قيمة العيلة والأرض .
أكملت الحاج صفية التفاصيل تزيل دهشة أبناؤها :لقد طالبت بالفرقة دايما ونحن نعلم تفكيركم ورغبتكم في تغير أعمالكم والسفر بعيدا عنا 
حاول الابناء تبرير موقفهم ورغبتهم في حرية اختيارهم ولكن الحاج سيد لم يترك لهم فرصة سماع مبررات وأنهي الجلسة ،بعد عدة شهور من جلسة الأنفصال أستعد كل من أبناء الحاج سيد للسفر ومنهم من بحث عن منزل بعيد عن منزل العيلة مرت الشهور سريعة وفق فيها أبناء الحاج سيد أوضاعهم في حياتهم الجديدة مسرورين بوضعهم الجديد وحريتهم ولكن علي عكس شعر الحاج سيد انه فقد أبناؤه للأبد فأحس تسرعه فقد ذبلت الأرض ولم تعد تجد من يهتم بها فقل الايراد وشعر الحاج سيد بتسرعه


تدهورت حالة حاج سيد المرضية بعدما أحس فقد اعز مايملك وكل ماسعي في هذه الحياة كان من اجله فقد امضي حياته بحاول لم شمل العيلة وعناية بالأرض التي ورثها عن أجداده .
شعرت الحاج صفية قرب أنتهاء الأجل فأسرعت تجمع أبناءها تتوسل لهم بالرجوع للمنزل من اجل صحة والدهم ، ولكن إصرار الأبناء علي عدم الرجوع جعل الحاجة صفية تمتنع عن الكلام في هذا الموضوع وتوكل أمرها لله ،وماهي إلا أيام قليلة حتي تحققت نبؤة الحاجة صفية وتوفي الحاج سيد علي تاركا ثروة كبيرة من الأراضي والأموال تم تقسيمها علي أبناؤه وضاع كل مابناه الحاج سيد فبعد بيع الأرض وفاة الاب تفرق الأبناء ولم يعد يجتمع الأخوة كما كان في عهد الحاج سيد كما فرقتهم الأموال ،ومرت الأيام زادت الفرقة وظل البيت الكبير خاويا يمر عليه سكان القرية يترحمون علي الحاج سيد وأيامه التي ملأت البيت الكبير كل أهل القرية لحل مشكلاتهم وضيافتهم ،فقد كان البيت الكبير لا يهدأ من الزوار ولا ينتهي منه الضجيج ،الآن

ولكن تبدل الحال وأصبح منزل الحاج سيد أكثر منزل سكونا في قرية حتي تشعر أنه منزل مهجور .


google-playkhamsatmostaqltradent