بقلم إيمان عوض
يمثل مسار الإصلاح السياسي في مصر محاولة مستمرة للتوفيق بين ضرورة الاستقرار والطموح نحو الشفافية والمشاركة.
وفي هذا الإطار، كان الحوار الوطني توجهاً واضحاً من الدولة، بدأ في عام 2023، ليمثل إرادة سياسية عليا لتصحيح المسار وتفعيل الحوار المجتمعي.
لقد جاء الحوار الوطني كخطوة استراتيجية، تمثل توجهاً حكومياً مباشراً يهدف إلى إعادة بناء الجسور بين الدولة ومؤسساتها من جهة، والقوى السياسية والمجتمع من جهة أخرى.
ويُعَد هذا المسار فرصة لـ الإصلاح السياسي وتفعيل آلية الحوار المجتمعي بهدف تقريب المسافة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
الغاية من هذا التوجه كانت الوصول إلى توافق وطني حول أولويات المرحلة وإرساء قواعد ديمقراطية تخدم الاستقرار والتنمية.
ضمن هذا المشهد، شارك عمرو موسى، بصفته سياسياً مخضرماً ورجل دولة لديه سجل طويل في الشؤون الدبلوماسية والوطنية (وزير الخارجية الأسبق والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية)، في هذا الحوار.
وكانت مشاركته تهدف إلى دعم توجه الدولة نحو الإصلاح، مقدماً خبرته ورؤيته ،"كـصوت وطني".
لكن، في خضم سعي الدولة لإرساء هذا التوافق، جاءت الانتخابات البرلمانية لتكشف عن تحديات جسيمة في التنفيذ.
لقد أدت المظاهر السلبية والتجاوزات التي شابت العملية الانتخابية إلى انكسار كل حواجز الثقة التي تم السعي لبنائها بين المواطن والدولة عبر جهود الحوار الوطني.
مما استدعى هذا المشهد المتوتر والمليء بالتجاوزات تدخلاً مباشراً من أعلى مستويات القيادة، حيث خرج السيد رئيس الجمهورية نفسه معلناً عن اعتراضه لما يحدث في المشهد الانتخابي، ومؤكداً على ضرورة مراجعة كافة التفاصيل.
و ترتب على هذه المراجعة إلغاء نتيجة ٤٥ دائرة انتخابية من أصل ٧٠ دائرة حتى الآن، في خطوة هدفها تصحيح المسار وإرسال رسالة بجدية الرغبة في النزاهة.
ورغم هذا، ما زالت الانتهاكات والطعون ترفع ضد الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الثانية. الأمر الذي أصبح معه المشهد مفعماً بالتوتر والشكوك حول نزاهة الإجراءات التنفيذية، ومهدداً بتقويض الشرعية التمثيلية للبرلمان المقبل.
على إثر ذلك، خرج السيد عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين لتعديل دستور سنة ٢٠١٣ سابقاً، ورجل الدولة المعروف، ليدلي بتصريحات حاسمة.
لقد صرح موسى بضرورة "تدخل الدولة المصرية لوقف هذه المهزلة"، مشدداً على أن التجاوزات أدت إلى "تزييف إرادة المصريين" وخلقت "انعدام ثقة في نتائج الانتخابات"،وهو يحذر من منطلق خبرته الطويلة في الشأن العام، من أن هذا المسار يُنشئ برلماناً ضعيفاً غير قادر على ممارسة دوره بفاعلية. وبذلك، يضع موسى أصبعيه على الجرح، مؤكداً أن جهود الدولة للإصلاح (الممثلة في الحوار الوطني) ستظل ناقصة أو مهددة بالفشل ما لم يتم ترجمتها إلى نزاهة قاطعة في أدق تفاصيل العمليات الديمقراطية، داعياً إلى حماية الاستقرار السياسي بضمان شرعية المؤسسات.
إن قرار إلغاء نتائج هذه الدوائر يضع الهيئة الانتخابية في موقع بالغ الحساسية؛ فمن جهة، هو اعتراف ضمني بحدوث خلل وتجاوزات، لكنه يؤكد في الوقت نفسه على إرادة الدولة للنزاهة والتصحيح، مما يمنح الثقة في آليات المراجعة.
على المستوى الحزبي، فإن هذا الإلغاء يمثل زلزالاً سياسياً للمرشحين والأحزاب المعنية، خاصة وأن إلغاء نتيجة ٤٥ دائرة من أصل ٧٠ (أي غالبية الدوائر تقريباً) يرفع الشكوك حول العملية برمتها. المرشحون الذين أُلغيت نتائجهم يواجهون إحراجاً سياسياً واجتماعياً كبيراً، في حين تتعرض الأحزاب المعنية لاهتزاز في مصداقيتها أمام الرأي العام وتفقد مقاعد كانت قد ضمنتها، مما يقلص من كتلتها البرلمانية المتوقعة.
فهذا الوضع يُجبر تلك الأحزاب على العودة إلى صراعات قانونية ومالية جديدة لإعادة خوض الانتخابات، ويفتح الباب أمام المنافسين لدخول السباق في مناخ جديد أكثر رقابة. وبذلك، تؤدي هذه التداعيات إلى إعادة خلط للأوراق السياسية، وتؤكد على أن الالتزام بمتطلبات الحوار الوطني يتجاوز الجلوس على طاولة النقاش ليشمل الأداء النزيه في الممارسة الانتخابية على الأرض.