recent
أخبار ساخنة

"فلسطين الصغيرة" في الولايات المتحدة الأمريكية

الصفحة الرئيسية



كتبت : فاطمه القاضى 


لم يدر بخلدنا أن نجد منطقة في الولايات المتحدة تعرف باسم فلسطين الصغيرة. لكن بلدة بريدج فيو الواقعة في ضواحي مدينة شيكاغو الأمريكية تعرف بهذا الإسم منذ سنوات نظرا لكثافة الوجود الفلسطيني.


يوجد متاجر ومطاعم كتبت أسماؤها بالعربية. شاهدنا العلم الفلسطيني يتدلى من بعض شرفات المنازل، كما رفعت لافتات تطالب بوقف إطلاق النار في غزة. قد تنسى أحيانا أنك في الولايات المتحدة.


لكننا علمنا أن هذا التضامن قد يكون ثمنه باهظا أحيانا.


تهديد بالقتل


تقول ليلى، المولودة في الولايات المتحدة، إنها تلقت خطابين متتالين يحملان تهديدات بالقتل بسبب لافتة رفعتها في حديقة منزل وكتب عليها بالإنجليزية "حرروا فلسطين".


وتقول أن أكثر ما يؤلمها هو ارتباط هويتها كامرأة عربية مسلمة بالإرهاب والعنف في نظر بعض المحيطين بها.


ترتسم على وجه ليلى، الأم لثلاثة أطفال، ملامح الانزعاج، أثناء حديثها عن أثر تلك التهديدات على حياتها.


وتقول وهي تحبس دموعها: "لم أعد أغادر منزلي كما كنت أعتاد من قبل. أحيانا أتصور أن مرسل الخطاب قد يخطف أحدا من أولادي ليعاقبني. وأخبرت أبنائي أنهم إذا رأوا أحدا يأتي لمهاجمتي، فعليهم أن يسرعوا بالعودة للمنزل ولا يقفوا للدفاع عني.


تقول ليلى إن هذه التجربة القاسية تعيد إلى ذهنها ذكريات هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وما تلاها. وتضيف "أذكر حينها أن كثيرا من زملائي في المدرسة توقفوا عن الحديث معي. فخطاب الكراهية ليس بجديد علي" .


أنا ميت


ما عزز مخاوف ليلى من التبعات المحتملة لهذين الخطابين هو ما حدث للطفل وديع الذي يسكن قريبا منها.


فقد وديع، ذو الستة أعوام، حياته بفعل ست وعشرين طعنة تلقاها على يد مالك العقار الذي كان يسكنه مع والدته. يحاكم الرجل بتهمة القتل حاليا وتقول السلطات إن الجريمة ترجع لهوية الضحية وكذلك للحرب الدائرة في غزة.


كان وديع يذهب لزيارة والده عدي، الذي يعيش في مسكن منفصل، خلال عطلة نهاية الأسبوع. قال عدي، الذي هاجر للولايات المتحدة قبل ثمانية أعوام، أنه أزال كل صور وديع من منزله في نفس يوم مقتله. فلم يعد يتحمل مرارة الذكرى.


لم يبك عدي على فراق ابنه الوحيد حتى الآن، ولا تزال علامات الصدمة واضحة على وجهه. ويقول "لا أزال أسمع صوت وديع وأراه. أظل واقفا بجوار النافذة، كل يوم سبت، في انتظاره، رغم أنني أدرك أنه لن يأتي أبدا."


لم تعد حياة عدي كمان كانت، فقد ترك عمله ويفكر أحيانا في الرحيل عن الولايات المتحدة "أنا الآن شخص ميت، أبدو على قيد الحياة ظاهريا، لكنني فعليا ميت".


جرائم كراهية


قد يستبعد البعض وقوع مثل تلك الحوادث المصنفة قانونيا كجرائم كراهية في بريدج فيو ومحيطها، نظرا لكثافة الوجود العربي. لكن كل من تحدثنا اليهم يحملون الموقف الرسمي الأمريكي والخطاب الإعلامي، الذي يصفونه بالمناهض للفلسطينيين، مسؤولية انتشار نبرة عداء بين بعض سكان المنطقة.


يملك خالد مطعما للمأكولات العربية منذ أكثر من عشرين عاما. لكن الحرب في غزة أثرت بشكل ملحوظ على عمله إذا تراجع حجم رواد المطعم من الزبائن الأمريكيين.


ويقول "كان حوالي نصف زبائننا من الأمريكيين لكن هذه النسبة انخفضت لحوالي خمسة بالمئة حاليا."


يوضح لي أن الخوف صار حاضرا بقوة في ذهنه. "ربما يتخوف الأمريكيون من زيارة مطعمنا، كما أننا بتنا نخشى أن يأتينا أمريكي يحمل آراء متطرفا ويلحق الأذى بالمكان أو بأحد رواده."


تضامن واسع


لكن هذه الحوادث المؤلمة ليست الجانب الوحيد للصورة. فخلال الأشهر الماضية شهدت مدينة شيكاغو عدة مسيرات للتضامن مع الفلسطينيين، شارك فيها كثير من الأمريكيين من أصول متعددة.


ويقول حاتم أبو دية مسؤول شبكة الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة إن تلك المسيرات التضامنية. شاركت تلك الشبكة في تنظيم هذه المسيرات "التي انضم إليها كثيرون من ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية والآسيوية"


ويوضح حاتم أن "أبناء تلك المجتمعات يشعرون بالتماهي مع القضية الفلسطينية لأنهم يدركون معنى الظلم. كما أننا ندرك تماما أننا لن نكسب قضيتنا من دون التضامن الواسع من قطاعات مختلفة من المجتمع."


ألعاب نارية

تنحدر فداء العايدي، المحامية، من مخيم المغازي في غزة وزارت القطاع عدة مرات خلال السنوات الماضية. تقول إنها توقفت عن العمل خلال الشهر الأول للحرب. فقدت عمتها في قصف الاحتلال على غزة.


تخبرني فداء أنها سمعت بعض الألعاب النارية التي أطلقها الجيران، فانتابتها حالة شديدة من الخوف وأخذت أولادها واختبأت داخل مسكنها.


وتقول "تصورت أن هذه أصوات طلقات رصاص وأن أحدا جاء للاعتداء علينا. وقلت إنه ربما حان دورنا كفلسطينيين هنا كي نتعرض للهجمات".


أشعر بالذنب


تنتمي عطاف عصفور لقطاع غزة أيضا. لكنها هاجرت للولايات المتحدة قبل أكثر من عشرين عاما. تخبرني أنها فقدت أكثر من مئتي شخص من أسرتها بفعل القصف خلال شهرين.


ما أن بدأنا الحديث عن الحرب حتى أجهشت بالبكاء. تغالب دموعها وهي تحدثني قائلة "كل يوم أذهب للنوم، وأنا أفكر من سيموت من أسرتي في غزة؟! فكلّ هؤلاء الأقارب لم يعودوا الآن إلا مجرد أرقام."


كان ويليام، ابن عطاف، في الرابعة من العمر حين رحل عن غزة. يقول الشاب العشريني إنه كان من المقرر أن يزور غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لكنه أحب زيارته، قبل اندلاع الحرب، لأسباب عائلية.


ويضيف "عندما أرى ما ننعم به هنا من رفاهية ومياه وكهرباء وطعام ينتابني شعور عميق بالذنب."


كل من التقيناهم سيتعين عليهم أن يتعايشوا مع كثير من مشاعر الخوف والألم لفترة من الوقت. حتى إن وضعت الحرب أوزارها، فهذه الجروح لن تندمل بسهولة

google-playkhamsatmostaqltradent