كتبت : فاطمه القاضي
ترتفع حصيلة القتلى في صفوف الصحافيين جراء الحرب في غزة يوما بعد يوم. فحسب لجنة حماية الصحافيين والاتحاد الدولي للصحافيين، لقي أكثر من 60 عاملا في مجال الإعلام حتفهم منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهي أعلى حصيلة في تاريخ المهنة منذ أن بدأت لجنة حماية الصحافيين بجمع البيانات في العام 1992. ولا تستبعد عدة منظمات غير حكومية أن يكون الصحافيون مستهدفين، مطالبة جيش الاحتلال بتوضيحات.
في كل يوم، يسقط قتيل... خلال شهرين من الحرب، قُتل أكثر من 60 صحافيا وإعلاميا في غزة، وفقا لتقرير صادر عن لجنة حماية الصحافيين (CPJ) تم نشره يوم السبت 16 ديسمبر/كانون الأول. ما يمثّل مقتل صحافي أو مصور أو منسق كل يوم منذ بدء الحرب بين الاحتلال وجنود القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والتي اندلعت بعد هجوم جنود القسام على الأراضي المحتله.
وقد نشر الاتحاد الدولي للصحافيين (FIJ)، الذي ظل، منذ أوائل التسعينيات، يحصي أسماء الصحافيين الذين قتلوا أثناء ممارسة مهامهم، تقريرا يوم الأربعاء 13 ديسمبر/كانون الأول، خلص إلى نفس الاستنتاجات: "إن الحرب في غزة تسببت بمقتل عدد أكبر بكثير من العاملين في مجال الإعلام، يفوق أي صراع مضى".
حسب التقريرين، قتل 64 صحافيا وعاملا في مجال الإعلام على الأقل، معظمهم من الفلسطينيين (57) وجميعهم تقريبا لقوا مصرعهم جراء القصف المتواصل في قطاع غزة.
وأحصت لجنة حماية الصحافيين أيضا أربعة صحافيين تابعين للاحتلال قتلوا في هجمات شنتها شنتها جنود القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالإضافة إلى ثلاثة صحافيين لبنانيين قتلوا على يد قوات الاحتلال على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
وتثير هذه الأعداد فزعا أكبر بكثير من الأرقام التي أشار إليها التقرير الأخير الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود في 14 ديسمبر/كانون الأول، والذي أحصى مقتل 17 صحافيا أثناء قيامهم بعملهم في غزة.
وما يفسر هذا التباين في الأعداد التي قدمتها منظمة مراسلون بلا حدود وتلك التي نشرها الاتحاد الدولي للصحافيين ولجنة حماية الصحافيين هو أن مراسلون بلا حدود لا تحصي سوى الصحافيين الذين يملكون بطاقات مهنية وليس جميع العاملين في مجال الإعلام، على غرار من قُتلوا جراء قصف منازلهم.
إضافة إلى ذلك، أوردت لجنة حماية الصحافيين إصابة 13 صحافيا واعتقال 19 آخرين، وفقدان ثلاثة. كما أشارت أيضا إلى تعرض أفراد عائلات الصحافيين للعديد من الاعتداءات والتهديدات والهجمات الإلكترونية وتكميم الأفواه، بل وحتى القتل.
اعتداء على مرأى الجميع
وهناك العديد من الشهادات ومقاطع الفيديو توثّق هذه الأرقام. وآخرها، تلك التي نُشرت في 15 كانون الأول/ديسمبر الماضي وانتشرت على نطاق واسع، تُظهر صحافيا من وكالة أنباء الأناضول الرسمية التركية يتعرض للضرب أثناء محاولته القيام بعمله في القدس الشرقية المحتلة. ويُظهر المشهد، الذي بثته قناة "سي إن إن تورك" على الهواء مباشرة، المصور-الصحافي مصطفى الخاروف والمراسل المستقل فايز أبو رميلة، وهما يتعرضان للضرب والاعتقال على أيدي عدد من أفراد قوات أمن الاحتلال.
وخلال هذا الاعتداء المصوَّر، هدد أحد أفراد قوات أمن الاحتلال باعتقال الصحافييْن، اللذيْن عرّفا عن نفسيهما من خلال إبراز بطاقتيْهما الصحفية. وبدا جندي تابع للاحتلال وكأنه يريد إطلاق النار على الصحافي من بندقيته، لكنه استخدم في النهاية سلاحه لضربه على وجهه. ثم أُلقي مصطفى الخاروف أرضا قبل أن يُركل في صدره وعلى رأسه
وأدان المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيتر ستانو، السبت الماضي، الهجوم على مصور الأناضول. كما تم توقيف أفراد أمن الاحتلال المتورطيْن عن العمل حتى يتم التحقيق في تفاصيل الحادث، وفق ما أفادت مراسلون بلا حدود.
ويقول جوناثان داغر، رئيس مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلون بلا حدود، "إن قيام هذين الشرطيين بمهاجمة الصحافيين بهذه الوحشية، أمام الكاميرات والشهود، إنما ينمّ على الكثير بشأن العنف الهيكلي الذي ترتكبه قوات الاحتلال ضد الصحافيين الفلسطينيين".
قناة الجزيرة... "استهداف منهجي"
وشهد الأسبوع الماضي أيضا مقتل مصور قناة الجزيرة القطرية في هجوم بمسيَّرة تابعه للاحتلال بجنوب قطاع غزة. وكان سامر أبو دقة بصدد القيام بمراسلة من إحدى مدارس خان يونس يوم الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول، عندما أصيب. وبقي لساعات ينزف من جروحه الخطيرة في مكان الغارة بسبب "منع قوات الاحتلال سيارات الإسعاف" من الوصول إليه، بحسب الجزيرة.
ومن جهته، قال جيش الاحتلال، إنه وافق على طريق تسلكه سيارة إسعاف فلسطينية، لكنها اختارت طريقا آخر فوجدته مسدودا. كما نوّه الجيش أيضا إلى أنه "لا يستهدف الصحافيين عمدا أبدا" ويتخذ "جميع الإجراءات العملياتية الممكنة لحماية المدنيين والصحافيين".
وبالنسبة لمراسل قناة الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، الذي أصيب في ذراعه إثر الغارة التي قتلت زميله سامر أبو دقة، فإن "الاحتلال لا يريد صحافة، لقد استهدفنا عمدا". وأثناء حضوره جنازة زميله، بعد أسابيع قليلة من فقدان زوجته واثنين من أطفاله في قصف نشأ عن قوات الاحتلال، قال الدحدوح لوكالة الأنباء الفرنسية السبت 16 كانون الأول/ديسمبر إنه "لم يكن هناك سوى فريق الجزيرة والدفاع المدني في المنطقة".
أما قناة الجزيرة، فأعلنت الجمعة، أنها تحمّل "الاحتلال مسؤولية استهداف وقتل صحافيي الجزيرة وعائلاتهم بشكل ممنهج". وأعلنت القناة على موقع X (تويتر سابقا) أنها ستحيل "جريمة قتل" مصورها سامر أبو دقة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
هيومن رايتس ووتش: هجمات "متعمَّدة"
ويذكر أنه بعد أسبوع من هجوم جنود القسام على قوات الاحتلال، أسفرت غارتان لجيش الاحتلال عن مقتل مراسل لرويترز بجنوب لبنان يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، وإصابة ستة صحافيين آخرين من قناتي الجزيرة ووكالة الأنباء الفرنسية.
وكان الصحافيون السبعة يقفون على قمة تل بجنوب لبنان، بالقرب من الحدود مع الاراضى المحتله، يصوّرون ويبثون القصف على الحدود بين جيش الاحتلال وحزب الله اللبناني.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إنها تحققت من سبع شهادات مباشرة، بما في ذلك شهادات ثلاثة صحافيين أصيبوا بجروح، وقامت أيضا بتحليل 49 مقطع فيديو وعشرات الصور التي تشير إلى أن الصحافيين كانوا بعيدين عن منطقة الاشتباكات الجارية آنذاك، وكان من الواضح التعرف عليهم كمهنيين في وسائل الإعلام، -إذ كانوا يرتدون خوذات وسترات واقية من الرصاص مكتوب عليها "صحافة"- وأنهم ظلوا ساكنين لمدة 75 دقيقة على الأقل قبل أن يتعرضوا للقصف.
ولم تجد المنظمة غير الحكومية أي دليل على وجود هدف عسكري بالقرب من موقع الحادثة حيث مكثت مجموعة الصحافيين. ومن جانبها، لم تعلّق سلطات الاحتلال على هذا التقرير.
وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول، أدانت منظمة هيومن رايتس ووتش "هجوما يبدو متعمّدا ضد مدنيين" والذي "من شأنه أو بإمكانه الارتقاء للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب".
ومن جهتها، قدمت منظمة مراسلون بلا حدود شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بتهمة جرائم حرب مرتكبة بحق صحافيين فلسطينيين في غزة والاراضى المحتله.
وفي هذه الشكوى، عرضت المنظمة بالتفصيل حالات مقتل تسعة صحافيين وإصابة اثنين آخريْن أثناء القيام بمهامهم، مشيرة أيضا إلى التدمير المتعمد، الكلي أو الجزئي، لمقار أكثر من 50 وسيلة إعلام في القطاع الفلسطيني.
الاحتلال "لا يريد أن يعرف الناس ما يحدث على الأرض"
في فرنسا، وفي عمود نُشر الخميس 14 كانون الأول/ديسمبر في صحيفة لوموند، طلبت مجموعة من الصحافيين المتخصصين في الشرق الأوسط من الرئيس إيمانويل ماكرون التوسط لدى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو، من أجل السماح للصحافيين الفلسطينيين العاملين في الصحافة الفرنسية باستخدام معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر.
كما دعا الفرع الفرنسي للاتحاد الدولي للصحافيين إلى تنظيم مظاهرات يوم الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول في باريس، قائلا إنه "من الملح للغاية ضمان الحماية الفعالة لجميع الصحافيين في قطاع غزة، وكذلك في الضفة الغربية وعلى الحدود مع لبنان بما في ذلك حرية تنقلهم".
وفي الموكب الذي انطلق من ساحة الجمهورية بباريس، أقبل صحافيون لدعم زملائهم في غزة، فيما تظاهر آخرون بشكل عام ضد الحرب القائمة بين الاحتلال وجنود القسام. ولكن كان الجميع ينتابهم شعور التضامن إزاء قضية الصحافيين الذين فقدوا حياتهم في هذه الحرب.
وأكد أحمد، وهو مصور فوتوغرافي متدرب يبلغ 35 عاما، "هذه هي المرة الأولى في العالم التي يقتل فيها هذا العدد الكبير من الصحافيين على الأرض في حرب". وأضاف "إنه أمر متعمّد"، وهو يلوح بصورة أحمد فاطمة، مصور قناة القاهرة الإخبارية المصرية، الذي قتل جراء قصف في غزة. بالنسبة لأحمد، فإن الاحتلال "لا يريد أن يعرف الناس ما يحدث على الأرض".
الصورة تتحدث عن نفسها"، وفق عازار، وهو باريسي يبلغ 57 عاما، يحمل بين يديه صورة مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، خلال جنازة طفلته، في 26 أكتوبر/تشرين الأول. ويقول: "يتم استهداف الصحافيين في غزة عمدا". مضيفا "لقد تعرض العديد منهم (الصحافيين) للتهديد، وتم قصف منازلهم... إنهم مستهدفون".
وكشفت دومينيك، وهي صحافية في إذاعة فرنسا الدولية (RFI) التابعة، كما فرانس24، لمجموعة فرانس ميديا موند، "إن الوقت قد حان للتعبئة من أجل الصحافيين". وحملت دومينيك لافتة تظهر مراسل تلفزيون فلسطين محمد أبو حطب، الذي لقي مصرعه مع عائلته في غارة الاحتلال على غزة يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر.
وأضافت دومينيك: "كثيرا ما يستهدف جيش الاحتلال الصحافيين عمدا، وبالتالي من الواضح أنهم ليسوا ضحايا من بين الضحايا المدنيين. فهؤلاء أشخاص يتم استهدافهم في إطار مهنتهم، وهنا أجد أن جميع الحدود قد تم تجاوزها ومن الضروري كشف ذلك إلى العلن".
أما شاي فتوضح قائلة: "بسرعة كبيرة، قمنا بتأسيس مجموعة من الصحافيين المتضامنين" وشاي صحفية تبلغ 22 عاما تحمل صورة فرح عمر، مراسلة قناة الميادين التلفزيونية اللبنانية التي قُتلت في هجوم صاروخي بجنوب لبنان في 21 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وأضافت: "لقد تحركنا على عجل بعض الشيء، وقلنا "بسرعة! يجب علينا أن نفعل شيئا لأن هناك صحافيين يقتلون ولا يوجد أمن". هناك آخرون انضموا إلى هذه المجموعة وكتبوا مقالا، يقول نصه: "أكثر من 200 صحافي يدعون إلى وضع حد للجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد الصحافيين"، وتم نشره في أوائل كانون الأول/ديسمبر في صحيفة لومانيتي. ولخصت شاي قائلة: في غزة، "لا يقتل المدنيون فحسب، بل يُغتال الخبر".