في إطار سعيها الحثيث للحفاظ على التراث المصري الأصيل وتكريم رموزه، أطلقت وزارة الثقافة المصرية بالتعاون مع وزارة النقل، مبادرة ثقافية مميزة للاحتفاء بـالسيرة الهلالية، أحد أعمدة الموروث الشعبي في صعيد مصر، وبالشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، المعروف بلقب "الخال"، الذي كرّس جزءًا كبيرًا من حياته لجمع وتوثيق هذه السيرة الملحمية.
وتزامنًا مع احتفالات عيد الأضحى المبارك، انطلقت المبادرة التي تهدف إلى تعزيز الوعي بالتراث الثقافي وتقديم محتوى هادف وراقٍ للمواطنين، خاصة خلال تنقلاتهم اليومية عبر قطارات مترو الأنفاق والقطار الكهربائي السريع.
تسجيلات نادرة وصوت خالد
تشمل المبادرة عرض تسجيلات نادرة بصوت الأبنودي حول السيرة الهلالية، بالإضافة إلى لقطات مصورة من متحفه بقرية أبنود بمحافظة قنا، التابع لقطاع الفنون التشكيلية. كما تبث مختارات من السيرة بصوته عبر المحطة الإذاعية الداخلية في محطات المترو، ليجد المواطن نفسه في حضرة التراث، محاطًا بالكلمة الشعبية الصادقة المنغرسة في وجدان المصريين.
دعم رسمي ورؤية ثقافية متجددة
وتحظى المبادرة بدعم الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، وتأتي برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، الذي أكد أن الخطوة تنبع من رؤية الوزارة لدمج الثقافة في الفضاءات العامة، وتعريف الأجيال الجديدة برموز الإبداع المصري الذين صنعوا وجدان الشعب.
وأشار هنو إلى أن عبد الرحمن الأبنودي لم يكن مجرد شاعر، بل كان صوتًا للأمل والوجع، وحاملًا لهموم الناس، معبّرًا عن أحلامهم بلغتهم اليومية البسيطة، مما جعله واحدًا من أكثر شعراء العامية تأثيرًا في تاريخ مصر الحديث.
استمرار العروض وتوسيع الشراكة الثقافية
من المقرر أن تستمر عروض المبادرة طوال أيام العيد وحتى يوم الخميس المقبل، على أن يتوسع التعاون الثقافي بين وزارتي الثقافة والنقل مستقبلًا ليشمل مناسبات وطنية وثقافية أخرى. ويأتي ذلك استكمالًا للنجاح الذي حققته فعالية “نجيب محفوظ في القلب” في أبريل الماضي، والتي كانت أولى ثمار هذا التعاون.
السيرة الهلالية: تراث لا يغيب
وتُعد السيرة الهلالية من أشهر السير الشعبية في الوطن العربي، وقد ارتبطت بالمجالس والمناسبات الاجتماعية، خاصة في صعيد مصر، حيث كان الحكّاء الشعبي أو شاعر الربابة يحكي قصص البطولة والمروءة التي جسدها أبطال السيرة من بني هلال.
وفي عام 2008، اعترفت منظمة اليونسكو بالسيرة الهلالية وأدرجتها ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، اعترافًا بقيمتها الرمزية والفنية في الذاكرة الشعبية.
صوت التراث في قطارات الغد
بهذه المبادرة، تكتب وزارة الثقافة فصلًا جديدًا في توظيف الفضاء العام كمنبر ثقافي، وتحمل السيرة الهلالية والأبنودي إلى أجيال جديدة ربما لم يسمعوا بها من قبل، في تجربة إنسانية تُعيد الصلة بين الماضي والحاضر، وتُذكّر المصريين بأن صوت “الخال” لا يزال حاضرًا... على إيقاع الربابة في قلب الزحام.